القوانين الكونية في القرآن

القوانين الكونية في القرآن

لا تزال مسألة القوانين الكونية في القرآن من المسائل التي تشغل أذهان الكثيرين منا، فهذا الكون الذي نعيشه فيه لم يأتِ من العدم، ولم يخلق عبثاً، ولا يحدث شيء فيه وفقًا للمصادفة، بل تحكمه قوانين وسنن يسير بها، فلا يوجد مخلوق أو ذرة إلا وتخضع لهذه القوانين، ولا يمكن أن تشذ عنها بأي حال من الأحوال، ولكن ما المقصود بهذه القوانين؟ وما الذي ذكره الله -عز وجل- عنها في محكم تنزيله؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في هذا المقال.

 

ما هو مفهوم القوانين الكونية في القرآن؟

القوانين الكونية في القرآن هي تلك القوانين التي يسير فيها الكون بأكمله، ويعمل بموجبها، فما من مخلوق أو ذرة في هذا الكون إلا ويخضع لهذه القوانين، ولا يمكن أن ينحرف عنها بأي حال من الأحوال، وهذه القوانين منها ما هو واجب وحتمي، وما هو اختياري يرتبط بإرادة الإنسان، وهذا بيان لها:

 

  1. قوانين الجبر: وهي تلك القوانين الخارجة عن إرادة الإنسان، فلا يستطيع أن يختارها أو يتحكم فيها، كأن يولد ضمن أسرة معينة أو أن يواجه كارثة طبيعية.
  2.  قوانين الاختيار: وهي تلك القوانين التي تحدث بسبب تدخل الإنسان أو تنبع من محض إرادته، وبناءًا على اختياره يمكنه أن يربح أو يخسر في الدنيا.

 

ومن الجدير بالذكر أن لفظ “القانون” لم يرد في القرآن الكريم، وما ورد هو لفظ “السنة” وهذه السنة هي القوانين التي لا يستطيع الإنسان الخروج عليها أو الشذوذ عنها، فكافة المخلوقات تخضع لها، فمن عمل بها وانتفع منها قدر مستطاعه، استقامت له الدنيا بأسرها، ومن خرج عنها، فإن نظام الحياة لديه يختل.

 

قوانين الله الكونية كما جاءت في القرآن الكريم

إن المعرفة التامة الناشئة على الإطلاع على القوانين‮ ‬والسنن‮ ‬في‮ ‬القرآن‮ ‬الكريم تسهم في ترتيب العقل لكي يصل إلى مرحلة الوعي بما له وبما عليه، كما تبدد حالة الحيرة التي تصيب الإنسان وتعطله عن أمره، فلا شك أن العقل الإنساني معقد، ولا يستجيب بسهولة لمقتضيات الواقع، وإنما يعيد السؤال كرة بعد كرة حتى يصل لمرحلة الاقتناع واليقين، وعند الإلمام بهذه القوانين الكونية في القرآن  التي تحيط الوجود، فإن ذلك يخرجه من مرحلة الريبة والحيرة، لمرحلة الحصول على المعلومات التي يبحث عنها.

 

كما أن استنباط الحقائق والقوانين من القرآن الكريم ومطابقتها مع الواقع المعاش يبعث في قلب المرء شعور بالرضا والاطمئنان، إذن هل هناك قوانين كونية من وحي القرآن؟ وهل معرفة هذه القوانين، وإدراك طبيعتها الجوهرية التي لا تتغير ولا تتبدل تعد سبباً في حصول الراحة وزوال الشقاء؟ بلا شك، نعم، ومن القوانين الكونية في القرآن الآتي:

 

1- قانون البداية والنهاية

لقد ذكر القرأن الكريم أن لهذا الكون بداية ونهاية، وهذا ما استطاع العلماء التوصل إليه مؤخراً، فعند إطلاع علماء الفيزياء على حادثة الانفجار أو الانفجار العظيم أدركوا أن لهذا الكون بداية ونهاية وليس فضاءًا واسعاً لا أول له من آخر، وقد قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30] والمقصود بكلمة “فتق” الانفجار.

 

وهذا إعلان صريح بوجود بداية لهذا الكون، ونهاية له، كما قال تعالى: (ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ‮ ‬إِلَّا‮ ‬مَن‮ ‬شَاءَ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬ثُمَّ‮ ‬نُفِخَ‮ ‬فِيهِ‮ ‬أُخْرَى). [الزمر: 68] ومن ثم فإن بداية هذا الكون ونهايته من هذه النفخة.

 

2- قانون حفظ بقاء الأنواع

قال -تعالى-: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ). [فصلت: 10] كما قال أيضاً: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). [فصلت: 11]

 

وبالنظر لهذه الآيات يتضح أن هذه الأنواع هي تلك التي من خلالها قام الكون، وهي أيضاً التي أعدها الله للإنسان، فقد خلق الله كل شيء وقدره تقديرا، وأن أقوات الإنسان مقدرة من قبل خلقه، ومن ثم فإن حفظ بقاء الأنواع مستمر إلى أن يشاء الله.

 

3- قانون الخلق على التوازن

وهذا القانون مفاداه أن الله خلق هذا الكون بنظام وتوازن محكم، وأن تدخل الإنسان في هذا النظام واختراق قواعده أفدى به للهلاك، حيث نجد العبث الإنساني جلياً في محاولة تغيير القوانين والسنن وعدم احترامها، وكأنه بذلك يرد الطبيعة إليه، فتنزل الأمطار بغير مواسمها، وينب الزرع في غير فصله، وتحدث الزلازل بتسخير الطبيعة بما يخالف عمارة الإنسان في الأرض، قال تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ). [الحجر: 19]

 

4- قانون تسخير الكون

يعد قانون تسخير الكون من القوانين الكونية في القرآن، فهذا الكون بأكمله سخره المولى -عز وجل- في خدمة الإنسان لكي يستغله بالشكل الصائب دون أن يرده إليه وإنما يعمل فيه قدر مستطاعه لتحقيق الكفاية منه، فالإنسان هو سيد هذا الكون، وهو خليفة الله في أرضه، فقد قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). [لجاثية: 13] وقد قال: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً). [لقمان: 20]

 

ومن ثم فإن الإتقان المحكم والدقة العلمية للتعابير الكونية في الآيات القرآنية تتجلى في أن هذا الكون لم يخلق عبثاً، وإنما يعمل وفقاً للسنن والنواميس التي تسير الأمور وفقاً لمشيئة الله في الأرض، فقد قال الله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديراً).

 

القوانين الكونية السبعة الهرمسية

تعتبر الهرمسية بمثابة لفظ يطلق على مجموعة المبادئ الأصيلة التي نجدها في عمق الديانات بدرجات مختلفة، وتقوم الهرمسية على قوانين الكون السبعة ألا وهي:

 

1- قانون العقلانية

ومفاده أن الكون بأكمله تكوين عقلي من الله، وهذا القانون يدعو إلى تحقيق التوازن بين شقي الدماغ الأيسر والأيمن.

 

2- قانون الترابط أو المطابقة

ويقصد به أن كل شيء مترابط في هذا الكون، فما هو في الأعلى موجود في الأسفل، وما هو في الأسفل موجود في الأعلى، فإن كان الرزق موجود في السماء، فإن على الإنسان السعي في الأرض لتحصيله.

 

3- قانون الاهتزاز

فكل ما في الكون يتحرك، وكل شيء يهتز وفقاً للإيقاع الخاص به، ولا شيء ثابت.

 

4- قانون القطبية

أي أن لكل شيء قطبان متضادين، وكل شيء -في جوهره- ثنائي الأقطاب، المشابه والمغاير، ولولا هذه التناقض لما أحس المرء بالنعم من حوله، فقد خلق الله من كل شيء نقيضه لكي يدعونا إلى الرضا والتقبل.

 

5- قانون الإيقاع

فكل شيء في الكون له إيقاع خاص به، وكل يعمل وفقاً لإيقاعه ومداره، كما يصعد ويهبط وفقاً للشكل الموجي الكامن فيه، فإن كنت تعيش في حالة من الألم والعناء، فعليك العلم بأن ما تمر به هو رسالة مبطنة لك لكي تغير من طبيعة ما أنت فيه بأن تصنع إيقاعك الخاص وإدراك الدرس ملياً لكيلا تقع فيه مرة أخرى.

 

6- قانون السبب والنتيجة

لا يوجد شيء من فراغ، ولا يتولد شيء من لا شيء، فكل سبب له نتيجة، وكل نتيجة لها سببها، ولا يوجد شيء يقع تحت أمر المصادفة، فإن رغبت في تغيير النتائج، فعليه بتغيير أفكارك التي أدت بك إليها.

 

7- قانون الجنس

وهذا الجنس موجود في كل شيء، فكل ما تقع عليه أعيننا من أشياء لها ذكريته وأنثويته، فإن كان الجانب الذكوري يتمثل في القسوة والشدة والطاقة، فإن الجانب الأنثوي يتمثل في الاحتواء واللين والتسامح، ويتحقق التوازن بالموازنة بينهما وليس بتغليب إحداهما على الأخرى.

 

للراغبين في التعمق في العلوم والدراسات الإسلامية، أصبح الأمر سهلاً الآن، فبمجرد الانضمام لأكاديمية وحي يوحي والتي تعد من الأكاديميات العملاقة والرائدة حول العالم لتحفيظ القرآن الكريم وأحكام التلاوة والتجويد وتعليم اللغة العربية، بمجرد انضمامك سوف تصقل حصيلتك المعرفية واللغوية بالكثير من المعارف لتحظى بالسعادة في الدارين.

 

المصادر والمراجع

islamweb

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart